تونسالرئيسيةتحليلات

الإعلام البريطاني و”كذبة الباراشيت”: تشويه ممنهج أم هفوة مهنية؟

سوسة تحت مجهر الادعاءات الملفّقة… والسياحة التونسية في قلب العاصفة الإعلامية

مرة أخرى، يجد الرأي العام التونسي نفسه في مواجهة حملة تشويه إعلامي خارجي، وهذه المرة من بوابة الإعلام البريطاني، الذي نشر رواية مشبوهة عن حادثة تحرش بسائحة بريطانية في مدينة سوسة الساحلية، دون التحقق من المعطيات الرسمية أو الرجوع إلى أي مصدر موثوق داخل البلاد.

الرواية التي سرّبها الإعلام البريطاني نقلت شهادات من طرف واحد، واكتفت بسرد مزاعم السائحة دون أدنى مجهود استقصائي، في سلوك يتنافى مع أبسط المعايير المهنية في العمل الصحفي. بل الأكثر من ذلك، أن التحقيقات التونسية الأمنية أثبتت أن السائحة نفسها تغيّبت عن جلسة المكافحة مع الشاب التونسي المتهم، مما يطرح علامات استفهام جدية حول نواياها الحقيقية.

من الضحية إلى المتهم: قلب للوقائع أم حبكة مُعدّة مسبقًا؟

الشاب المتهم، وهو طالب في بداية العشرينات من عمره، يعمل موسميًا لمساعدته في مصاريف دراسته، وجد نفسه في قلب عاصفة إعلامية تستهدف سمعته، وتهدف في ظاهرها إلى الدفاع عن “امرأة بريطانية”، لكنها في باطنها تحمل بين طياتها أجندة أوسع لضرب صورة تونس في الخارج.

شهادات شهود العيان من عين المكان، وحتى وقائع سابقة مشابهة، تؤكد أن بعض السياح—وخاصة من الفئة العمرية المتقدمة—يستعملون مثل هذه الاتهامات وسيلة للابتزاز أو للانتقام الشخصي. أحد التونسيين يروي واقعة مماثلة حدثت أمامه في عهد بن علي، عندما اتهمت سائحة ألمانية شابًا بالتحرش بها رغم أنه لم يقترب منها، فقط لأنه رفض التعامل معها بعد أن ضايقته سابقًا.

ابتزاز على الطريقة السياحية؟

الأخطر في هذه الحادثة، أن السائحة البريطانية، وفقًا لمصادر قريبة من الملف، حاولت بعد تقديم الشكوى استرجاع المبالغ المالية التي دفعتها لفندق الإقامة، رغم أنها أكملت إجازتها بالكامل. وهو ما يفتح بابًا واسعًا أمام شبهة الابتزاز المالي، ويحوّل القضية من مجرد مزاعم فردية إلى احتمال وجود نية مبيتة للإضرار بمؤسسات سياحية تونسية.

أليس من المنطقي التساؤل هنا: ما دخل الفندق، كمؤسسة مستقلة، في حادثة شخصية، حتى تطالب هذه السائحة بإرجاع الأموال؟ وهل يكون الهدف من هذه الضجة هو الضغط المزدوج: على الشاب من جهة، وعلى المؤسسة السياحية التونسية من جهة أخرى؟

غياب التحقيق المهني في الصحافة البريطانية: صدفة أم سوء نية؟

لو أن الصحافة البريطانية كانت فعلًا حريصة على كشف الحقيقة، لبادرت على الأقل بالتواصل مع السفارة البريطانية في تونس للحصول على معلومات أو توضيحات. لكنها لم تفعل. لم تنتظر نتائج التحقيق، ولم تنقل رأي الطرف الآخر، بل انحازت مباشرة إلى “القصة الجاهزة”، ربما لأنها تخدم رواية أوسع: رواية ضرب السياحة في تونس في موسم صيفي واعد، خاصة بعد بوادر التعافي من أزمة كوفيد والأزمات الاقتصادية.

بل إن البعض يتساءل إن لم تكن هذه الحملة جزءًا من محاولات تضييق الخناق السياسي على تونس، في سياق الضغوطات الدولية المتزايدة على الرئيس قيس سعيّد، خاصة مع مواقف تونس السيادية مؤخرًا، ورفضها الإملاءات الأجنبية.

السؤال الجوهري: من المستفيد؟

في نهاية المطاف، تبقى الأسئلة المشروعة مطروحة: من يقف وراء هذه الروايات المغلوطة؟ولماذا تتكرر هذه الحوادث بنفس السيناريو تقريبا؟ وهل تتحول تونس إلى ساحة تصفية حسابات إعلامية وسياسية في ظل استقلال قرارها الوطني؟

الإعلام التونسي في مواجهة التزوير

على الصحافة التونسية أن تتحمل مسؤوليتها في كشف الحقيقة والتصدي لمثل هذه الحملات المدروسة، وألا تكتفي بنقل روايات أجنبية مشبوهة دون تمحيص.
وإذا كانت بعض وسائل الإعلام الغربية قد اختارت أن تساهم في تشويه صورة بلد بأكمله استنادًا إلى قصة غير متماسكة، فعلى الإعلام الوطني أن يفضح هذه الممارسات ويُقدّم الرواية الحقيقية، احترامًا لحق المواطن أولًا، ولسمعة تونس ثانيًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى