
في 28 مارس 1906، وصل الأديب الروسي مكسيم غوركي إلى نيويورك، وهناك كتب، مدهوشًا أمام تمثال الحرية:
“المرأة البرونزية العملاقة مغطاة بالصدأ الأخضر من الرأس حتى القدمين. وجهها البارد يحدّق، أعمى، عبر الضباب نحو المحيط، كما لو أن البرونز ينتظر أن تبعث فيه الشمس حياة جديدة. كل شيء من حولها يئنّ ويعوي ويصرخ تحت وطأة قوة خفية، معادية للإنسان… هذه هي الحرية، تنهض من الأعماق، قاسية، محاطة بمبانٍ بلا أزهار، بلا أطفال، بلا حياة.”
هكذا وصف غوركي مشهده الأول للحرية “المصنوعة من الحديد الصدئ”، والتي تحرس عالماً رأسمالياً لا يرحم. مقالته المعنونة بـ “الشيطان الأصفر” اعتبرت إدانة صريحة لبلدٍ يبيد من يعارض هيمنته، ويكافئ أولئك “العبيد الواعين” الذين يرضخون لنظام جشع، ممجّدٍ للموت.
وفي عام 1967، يعود هذا الخطاب الثوري بقوة من خلال الفيلم الوثائقي “بعيدًا عن فيتنام” الذي أخرجه كريس ماركر بمشاركة أسماء سينمائية أيقونية مثل جان-لوك غودار، ألان رينيه، وأنييس فاردا. يوثق الفيلم حراكًا عالميًا متنوعًا ضد الحرب، يضم حركة “Black Power”، اليسار الراديكالي، الهيبيين، النسويات، والمدنيين، متحدين جميعًا ضد آلة الحرب الأمريكية.
من أكثر اللحظات قوة في الفيلم، مقابلة مع الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، يعبّر فيها عن دعمه اللامحدود للشعب الفيتنامي، منوّهًا بشجاعته وقدرته على كسر الغطرسة العسكرية الأمريكية.
ويحذّر من خطأ واشنطن القاتل في الاستهانة بشعبٍ ناضل ضد الاستعمار والقتل الممنهج.ورغم هزيمتها في فيتنام، أعادت الولايات المتحدة، مع اقتراب وصول رونالد ريغان إلى الحكم، صياغة السرد، لتحوّل تلك الحرب إلى “قضية نبيلة” في الذاكرة الرسمية.
واليوم، تتكرر المأساة.
لكن الضحية لم تعد فيتنام.
إنها غزة.
فصول المجازر تتواصل، تحت غطاء “الأزمة الإنسانية”، بينما العالم يشاهد. نساء وأطفال يُستهدفون بشكل ممنهج، ضمن حملة إبادة مدعومة وممولة من نفس القوى التي ادعت يوماً الدفاع عن الحرية.
هل تغير العالم؟
ربما فقط في الأسماء.أما في المضمون، فإن صوت فيدل، وغضب غوركي، لا يزالان يدوّيان.
* Silvina Pachelo كاتبة وناقدة سينمائية أرجنتينية