دولي

ذاكرةٌ مشتركةٌ لا تُنسى: في الذكرى الـ80 للانتصار في حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية

بقلم: أ. د. شادي ليو شين لو، نائب رئيس جامعة الدراسات الأجنبية ببكين

يصادف هذا العام الذكرى الـ80 للانتصار في حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية.

قبل ثمانين عامًا، انتهت الحرب العالمية الثانية بعد سنوات دامية غير مسبوقة في تاريخ البشرية. تم دحر المعتدين الفاشيين، وانتصر العدل على الظلم وتبددت سحب الحرب السوداء وعمّ السلام ربوع العالم. لقد مثّل ذلك النصر العظيم انتصارا للحق على الباطل والنور على الظلام والتقدم على الرجعية، مؤكدا حقيقةً تاريخيةً ثابتةً مفادها ألا محالة من انتصار العدالة، وهيمنة السلام، وأن الغلبة دوما للشعوب!

كانت الصين ساحة القتال الرئيسية في آسيا خلال الحرب العالمية ضد الفاشية. وكان الشعب الصيني أول من رفع راية التصدي للعدوان الفاشي، إذ خاض مقاومةً داميةً استمرت 14 عاما وقدّم إسهاما تاريخيا في تحقيق الانتصار العالمي على الفاشية.

رغم مواجهة عدوٍّ متفوّقٍ في العتاد، مما أدى إلى تكبد الأمة الصينية أكثر من 35 مليون ضحية من العسكريين والمدنيين، تمكّن الجيش والشعب الصينيان من تحييد حركة أكثر من 70% من القوات البرية اليابانية على الجبهة الصينية.

لم تكن حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني مجرد أول نضال تحرري وطني يحقق فيه الشعب الصيني انتصارا كاملا على الغزو الأجنبي في تاريخه الحديث، بل عزّز كذلك من ثقة وعزيمة شعوب العالم بإمكانية انتصار العدالة.

وبصفتها إحدى الدول المنتصرة في الحرب، شاركت الصين بنشاط في إقامة النظام الدولي لما بعد الحرب، وكانت من الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة وعضوا دائما في مجلس أمنها، مما أرسى أساسا متينا لمنظومة سلام دولية جديدة.إن الانتصار العظيم في الحرب العالمية ضد الفاشية يعود الفضل فيه إلى تضامن شعوب العالم وتعاونها الوثيق.

ولن ينسى الشعب الصيني أبدا الدعم الثمين الذي قدّمه المجتمع الدولي خلال حربه ضد العدوان: فقد جاء العديد من الأصدقاء الدوليين من وراء البحار لمساعدة الصين، وضحّى بعضهم بحياتهم؛ كما أرسلت الصين قواتها إلى ميدان القتال في بورما لتقاتل جنبا إلى جنب مع قوات الحلفاء؛ ولم يتوانَ الجنود والمدنيون الصينيون عن التضحية بأرواحهم لإنقاذ طياري الحلفاء الذين سقطوا في الأراضي الصينية… هكذا وقفت مختلف الشعوب صفا واحدا تحت راية مناهضة الفاشية، وصنعت بدمائها وأرواحها ملحمة تضامنٍ لم يشهد لها التاريخ مثيلا.

وبفضل هذا التضامن العالمي تمكنت الدول بعد الحرب من إقامة نظام دولي جديد تمحور حول الأمم المتحدة، وكان أساسا راسخا لسلام مستدام على الصعيد العالمي.

باعتبارها حارسةً لمكتسبات النصر في الحرب العالمية الثانية وعضوًا مؤسسًا للأمم المتحدة، ظلت الصين دومًا قوةً راسخةً في الدفاع عن السلام العالمي.

وتتمسك الصين بالتعدديّة الحقيقية، وتعارض الهيمنة وسياسة القوة، كما تدعو بثبات إلى حلّ النزاعات عبر الحوار والتعاون، وإلى تعزيز الأمن من خلال العدالة والكسب المشترك.

لقد علّمتها مآسي الحرب قيمة السلام الغالية، ولذلك لم تسعَ الصين يوما إلى الهيمنة. كما تعمل الصين بنشاط على الدفع بالبناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق” وعلى تعزيز بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، مما يضخ طاقةً إيجابيةً قويةً من السلام والتنمية في عالم يموج بالاضطرابات.

لقد خاضت الصين والأمة العربية نضالاتٍ متشابهة، ولذلك فإن كِلا الجانبين يُقدِّرُ السلامَ والاستقلالَ تقديرا عظيما ومشتركا. وفي العصر الجديد، وفي ظل مبدأ “التعلم من التاريخ والتقدم يدا بيد”، تواصل الصين والدول العربية ترسيخ الثقة السياسية المتبادلة، وتعميق التعاون الاقتصادي والتجاري، والدفاع سويا عن الإنصاف والعدالة في الشؤون الدولية.

إن علاقات التعاون السلمي بين الصين والدول العربية أضحت نموذجا للتبادل والتعلم المتبادل بين مختلف الحضارات ونموذجا للتنمية المشتركة.

وبالنظر إلى المستقبل، يغدو لزاما علينا أكثر من أي وقت مضى أن “نستلهم العِبَر من التاريخ ونسير معا إلى الأمام” لبناء عالم جميل يسوده السلام الدائم ويعمه الأمن.في كثير من المتاحف تعكس الشظايا والشهادات وبصمت أنّ السلام ليس شعارا، بل خيارا تحرسه كل الشعوب.

وبعد ثمانية عقود، وأمام ما يحمله الحاضر من ترنح في الثقة، يلزمنا أن نحوّل الذاكرة إلى منهج لا انفعال: احترام الحقائق، وصون الحياة، وتقييد السلطة بالقوانين، وحلّ الخلافات بالتعاون.

ترغبُ الصين، مع الدول العربية، في توسيع المصالح العامة على أساس الاحترام المتبادل وأن يعمل كل طرف لنجاح الآخر، كي تبقى فصول الحرب حبيسة الصفحات، وتتعلم الأجيال القادمة وتتحاور وتُبدِع تحت سماء أرحب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى