
أدّت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، يوم الخميس 31 جويلية 2025، زيارة مقتضبة إلى تونس التقت خلالها رئيس الجمهورية قيس سعيّد وعددًا من كبار المسؤولين، ثم غادرت في اليوم نفسه دون عقد مؤتمر صحفي مشترك أو إصدار بلاغات تفصيلية.
زيارة على درجة عالية من الرمزية، كثيفة بالأسئلة، وقليلة بالمعلومات الرسمية، ما يدفعنا إلى التساؤل حول فحوى اللقاء وأهدافه الحقيقية، خصوصًا في ظل السياق الإقليمي والدولي الضاغط.
في غياب الشفافية: لماذا هذا الصمت الرسمي؟
رغم أهمية الحدث، اكتفى الجانب التونسي ببلاغ مقتضب لم يُفصح عن محاور النقاش، ولا عن الاتفاقيات أو النتائج المترتبة عن هذه الزيارة. هذا التكتم يفتح المجال لتأويلات عدة:هل اتُّفِق على ترتيبات جديدة تتعلّق بملف الهجرة غير النظامية؟هل أتى الإيطاليون حاملين عرضًا اقتصاديًا مشروطًا بإصلاحات معينة؟أم أن فحوى الزيارة يتعلق بمفاوضات سرّية لم يُرِد الطرفان الإعلان عنها في هذه المرحلة؟في غياب المعطيات، يغيب الرأي العام التونسي عن فهم ما يجري، رغم أن مخرجات هذه اللقاءات قد تمسّ بشكل مباشر السيادة الوطنية وحقوق المواطن.
خلفية الزيارة: الهجرة، الاقتصاد، أم النفوذ؟
تأتي هذه الزيارة في إطار ما تسميه الحكومة الإيطالية بـ”خطة ماتّي”، التي تهدف إلى إعادة صياغة العلاقة الأوروبية مع شمال إفريقيا من منظور شراكة تنموية وأمنية. إيطاليا، ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، تسعى إلى كبح موجات الهجرة غير النظامية من خلال تعميق التنسيق الأمني وتمويل مشاريع تنموية في دول العبور مثل تونس.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل تسعى ميلوني إلى دعم حقيقي ينهض بالاقتصاد التونسي، أم إلى شراء صمت وتعاون أمني مقابل حزم مالية لا تتجاوز البعد التكتيكي؟
شراكة غير متوازنة؟
زيارات ميلوني السابقة إلى تونس خلال عامي 2023 و2024 رافقتها وعود وتمويلات قُدّرت بنحو 50 مليون يورو، لكنّ تنفيذ هذه المشاريع ظلّ بطيئًا وغامضًا. في المقابل، كثفت تونس من إجراءات ترحيل المهاجرين ومنع قوارب العبور. هذا التفاوت في الالتزامات يثير شكوكا حول اختلال ميزان الشراكة، حيث يبدو أن الجانب الأوروبي يربح أكثر، سياسيًا وأمنيًا، مما تقدمه تونس من تنازلات.
في قلب العاصفة: أسئلة بلا إجابات
ما هي طبيعة الاتفاقات التي أبرمت في اللقاء؟ وولماذا لم يُفصح عنها؟. وهل تنوي إيطاليا فرض أجندة إصلاحات داخلية مقابل دعم اقتصادي مشروط؟. هل هناك تنسيق خفي بخصوص ملفات جيوسياسية في المتوسط، خاصة في ظل التوترات مع دول مثل ليبيا والجزائر؟
الغياب الكلي لوزير الخارجية التونسي عن اللقاء، وتولي رئاسة الحكومة الملف، يزيد من غموض المشهد ويؤشر إلى حساسية غير عادية في مضمون الزيارة.
زيارة ميلوني إلى تونس تُثير من الأسئلة أكثر مما تقدّم من إجابات. بين السعي الأوروبي لتثبيت “شراكات استراتيجية” جنوب المتوسط، وتكتم السلطة التونسية عن تفاصيل اللقاء، يبقى المواطن في الظل، محرومًا من الحق في المعرفة.
تونس في حاجة إلى شراكة متوازنة لا إلى صفقات ظرفية مريبة. فهل كانت زيارة ميلوني خطوة في طريق دعم حقيقي، أم مجرّد فصل جديد في كتاب الضغط الأوروبي المبطّن؟