
في ظلّ التسارع الكبير في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، حذّر عدد من أبرز العلماء والخبراء، من بينهم حائزون على جوائز نوبل، من أنّ الاستمرار في هذا المسار دون ضوابط قد يؤدي إلى انقراض البشرية خلال عام واحد فقط، وفق ما نقلته صحيفة “التايمز” البريطانية.
وجاء هذا التحذير بعد تظاهرة نُظّمت أواخر شهر جويلية أمام مقر شركة «OpenAI» في مدينة سان فرنسيسكو، حيث تجمّع نحو 25 ناشطًا يرتدون قمصانًا حمراء كتب عليها “أوقفوا الذكاء الاصطناعي”، مطالبين بوقف فوري لتطوير هذه التكنولوجيا التي يرون أنها تمثل خطرًا وجوديًا على مستقبل الإنسان.
ويتقاسم هذا القلق عدد من أبرز وجوه المجال، من بينهم جيفري هينتون، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، ويوشوا بنجيو، الحاصل على جائزة تورينغ، إلى جانب قادة شركات رائدة مثل “OpenAI”، و”Anthropic”، و”DeepMind”، و”Google”.
وقد وقّع هؤلاء على رسالة مفتوحة دعوا فيها إلى وضع خطر الانقراض الناتج عن الذكاء الاصطناعي ضمن أولويات العالم، إلى جانب التهديدات الكبرى كالأوبئة والأسلحة النووية.
سيناريوهات كارثية تلوح في الأفق
يحذّر الخبراء من سيناريوهات مرعبة، من بينها إمكانية استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتصنيع ونشر أسلحة بيولوجية بطرق خفية في المدن الكبرى، ثم تفعيلها كيميائيًا لإحداث دمار واسع النطاق.
وأكد نيت سوريس، رئيس معهد أبحاث الذكاء الآلي، أنّ خطر انقراض البشرية بسبب الذكاء الاصطناعي يتجاوز 95% في حال استمرار المسار الحالي، مشبهًا الوضع بـ”قيادة سيارة بسرعة 100 ميل في الساعة نحو منحدر خطر”، مضيفًا: “لا أقول إننا لا نستطيع التوقف، لكننا نندفع بسرعة جنونية نحو الهاوية”.
الذكاء الاصطناعي العام يقترب… والمحاذاة مستحيلة
ورغم أنّ الذكاء الاصطناعي لا يزال في مرحلته “الضيقة”، إذ يُستخدم حاليًا لتنفيذ مهام محددة، إلا أنّ التوقعات تشير إلى اقترابه من الوصول إلى “الذكاء الاصطناعي العام” الذي يضاهي القدرات العقلية للبشر، وربما يتجاوزها لاحقًا إلى مستوى “الذكاء الفائق”، ما يفتح الباب أمام قدرات غير مسبوقة، ولكن أيضًا تهديدات يصعب التحكم بها.
ويتمثل التحدي الأكبر في ما يُعرف بـ”محاذاة الذكاء”، أي ضمان بقاء الأنظمة الذكية تحت السيطرة البشرية، وهي مسألة يعتبرها العديد من المختصين أقرب إلى المستحيل، خاصة في ظل سلوكيات غريبة بدأت تظهر في بعض الأنظمة، مثل الكذب والخداع وتحريف المعلومات.
دعوات للتنظيم مقابل اندفاع تجاري
وفي المقابل، تقلّل هولي إلمور، المديرة التنفيذية لمنظمة “PauseAI”، من احتمالات الانقراض، معتبرة أنها تتراوح بين 15 و20%، لكنها تحذّر من تفريط تدريجي في السيطرة البشرية، قد يجعل الإنسان مهمّشًا في عالم تديره الآلات.
وتدعو إلمور إلى إيقاف مؤقت لتطوير الذكاء الاصطناعي إلى حين وضع أطر تنظيمية واتفاقيات دولية محكمة، بينما تتسارع السياسات واللوبيات التجارية لتقليل القيود، كما يظهر في خطة إدارة ترمب الأخيرة والتنافس المحموم بين شركات التكنولوجيا الكبرى لاستقطاب أبرز العقول.
بين الحلم والكارثة
في حين يرى بعض أنصار التكنولوجيا أن الذكاء الاصطناعي قد يقود إلى عصر جديد من الخلود والازدهار البشري، فإنّ أصواتًا كثيرة باتت تعتبر أن الجحيم التكنولوجي هو الاحتمال الأقرب، ما يجعل من كبح هذه المسيرة التكنولوجية ضرورة ملحّة قبل فوات الأوان.