بين الممنوع والمسموح: المواطن التونسي ضحيّة البيع المشروط

مع انطلاق كل موسم سياحي، يتجدّد الجدل في تونس بشأن ما يُعرف بـ”البيع المشروط”، الذي تعتمده العديد من النزل من خلال فرض شروط مسبقة على الحرفاء، سواء عبر تحديد الحد الأدنى لعدد ليالي الحجز أو فرض أنماط معينة من اللباس داخل المسابح. وهي سياسات يرى كثيرون أنها تقيّد الحريات وتكرّس التمييز الطبقي والاجتماعي.

سياسة التمييز تطال المرأة المحجبة
من أبرز مظاهر هذه السياسات، تواصل بعض النزل منع النساء المحجبات من ارتداء “البوركيني” داخل المسابح، في خطوة اعتبرها العديد من النشطاء انتهاكًا صارخًا للحريات الفردية المكفولة بالدستور التونسي، وتمييزًا واضحًا ضد شريحة واسعة من المواطنات.
ويُثير هذا القرار التساؤلات في بلد يُعرف بانفتاحه على الحريات والثقافات، حيث يُسمح لامرأة ترتدي “البيكيني” بالتمتع بحريتها داخل النزل بينما تُمنع أخرى فقط بسبب خيارها في اللباس. علماً أن “البوركيني” لم يعد غريباً عن المشهد العالمي، إذ ظهر لأول مرة عام 2007 وانتشر في العديد من البلدان، بل بات يُصنّع بنفس المواد المستخدمة في صناعة ملابس السباحة الأخرى، مع تصاميم عصرية وأسعار قد تفوق في بعض الأحيان أسعار “البيكيني”.

بيع مشروط وابتزاز مادي
لا تقتصر هذه الإشكاليات على مسألة اللباس فقط، بل تتعدّاها إلى ما يُعرف بـ”البيع المشروط” الذي تُمارسه بعض النزل، حيث تُجبر الحريف على حجز عدد معيّن من الليالي، ما يساهم في عزوف العديد من التونسيين عن قضاء عطلتهم في هذه المؤسسات. هذه السياسة تُعمّق الفجوة الاجتماعية وتُقصي العائلات محدودة الدخل، التي تنتظر موسم الصيف لالتقاط أنفاسها بعد سنة من الأعباء الاقتصادية.

ويتساءل العديد من المواطنين: ألا يحقّ للعائلة التونسية البسيطة أن تستمتع بعطلتها في فضاءات سياحية موجهة للجميع وليس فقط للطبقات الميسورة والسياح الأجانب؟ وهل تحوّلت النزل الوطنية إلى فضاءات مغلقة في وجه أبناء البلد؟
وزارة السياحة تتدخّل… ولكن التنفيذ غائب
في محاولة لوضع حد لهذه التجاوزات، أعلنت وزارة السياحة مؤخرًا، عبر صفحتها الرسمية، عن حزمة من الإجراءات، من بينها منع التدخل في حرية اللباس ومنع البيع المشروط، سواء من خلال فرض عدد ليالٍ للحجز أو اعتماد شروط تعسفية داخل المسابح والشواطئ والمطاعم السياحية.

لكن ورغم هذه التوجيهات الرسمية، لا تزال عديد المؤسسات السياحية تتجاهل التعليمات وتواصل فرض شروطها المخالفة. جولة بسيطة على مواقع وكالات الأسفار وصفحات النزل على مواقع التواصل الاجتماعي تكشف استمرار الممارسات القديمة دون أدنى اعتبار للقانون.
الحاجة إلى رقابة وتفعيل للقانون
الوضع الراهن يفرض على وزارة السياحة الارتقاء من مجرد إصدار البلاغات إلى تفعيل رقابة صارمة وتنفيذ القانون بشكل حازم، إلى جانب فتح نقاش وطني جاد حول إصلاح القطاع السياحي ليكون أكثر عدلاً وشمولاً. فالسياحة يجب أن تكون رافعة اقتصادية للجميع، لا امتيازًا حصريًا لطبقات اجتماعية معينة.
أميرة الشارني