
لم تعد مشاهد الطوابير والانتظار في تونس حالات معزولة أو استثناءً عابراً، بل أصبحت جزءاً من الحياة اليومية للمواطن، من الإدارات العمومية إلى المخابز، ومن مراكز البريد إلى الصيدليات.
في زمن تُنجز فيه المعاملات بضغطة زر، لا يزال التونسي يستهلك ساعات طويلة من يومه في طوابير مرهقة جسدياً ونفسياً، ما يعكس فجوة واضحة بين الواقع المحلي والتحوّل الرقمي الذي يشهده العالم.
البيروقراطية الإدارية: استنزاف للوقت وقتل للطموحات
تعكس طوابير الانتظار في تونس أزمة أعمق من مجرّد اكتظاظ: أزمة بيروقراطية متجذّرة تستهلك وقت المواطن وتحبط أحلامه.
ففي ظلّ كثرة الطلب، تواجه الإدارات نقصاً في الكفاءات، إذ يُسجّل غياب التكوين على الأنظمة المعلوماتية، إلى جانب البطء في الأداء، وغياب روح المبادرة، واعتماد بعض الموظفين على علاقات الزبونية والمحسوبية.
هذه البيروقراطية لم تُعرقل فقط حياة الأفراد، بل شكّلت حاجزاً أمام إنجاز المشاريع الوطنية والدولية، حيث يُرهق الشباب بالإجراءات المعقّدة، والتكاليف المتراكمة لاستخراج الوثائق، والتنقل بين المدن من أجل ختم أو طابع جبائي.
الرقمنة في تونس: خطاب بلا تنفيذ
رغم تعدد التصريحات الرسمية حول “التحوّل الرقمي”، لا تزال الرقمنة في تونس حبراً على ورق.
مواقع الإدارات والوزارات تفتقر إلى التحيين والمعلومات المفيدة، والأنظمة الإلكترونية غالباً غير مفعّلة. في المقابل، تُنجز المعاملات في دول الخليج والمغرب عبر التطبيقات الذكية: من دفع الفواتير إلى حجز المواعيد وتجديد جوازات السفر، ما يبرز عمق الهوّة بين تونس وبقية الدول في هذا المجال.
الحاجة إلى إصلاح جذري
غياب الرقمنة واستمرار ثقافة الطوابير لا يعكسان فقط ضعف الإدارة، بل يُعمّقان شعور المواطن بالتهميش ويُقوّضان ثقته في مؤسسات الدولة.
ولعلّ أبرز ما تحتاجه تونس اليوم هو إصلاح إداري شامل، يبدأ بدمج كل المؤسسات في منصة رقمية موحدة، مصحوباً بتكوين مستمر للموظفين، واعتماد التعامل الإلكتروني تدريجياً عوض الوثائق الورقية، بما يُعيد للمواطن كرامته، وللإدارة فاعليتها.
أميرة الشارني