تونسالرئيسية

من ولاية العيون إلى عطشٍ مزمن: أزمة مياه خانقة بالكاف وصمت رسمي مقلق

في قلب الشمال الغربي لتونس، تعيش ولاية الكاف مفارقة مؤلمة: منبع العيون ومهد المياه العذبة، تتحوّل صيفًا بعد صيف إلى منطقة عطش وانقطاع متكرر للمياه، دون حلول تلوح في الأفق، وسط صمت مريب من السلطات المعنية.

للسنة الثالثة على التوالي، يُعاني متساكنو الكاف من انقطاعات مطوّلة في مياه الشرب، خاصة مع اشتداد الحرارة. أحياء بأكملها تعيش لأيام، بل لأسابيع، دون قطرة ماء، بينما يُطبق نظام الحصص العشوائي في أحياء أخرى، دون أي إعلام مسبق.

وعندما تصل المياه، فهي غالبًا في ساعات متأخرة من الليل، ما يجبر الأهالي على البقاء في حالة ترقب مستمرة، وكأنهم مطالبون بالسهر بجانب الحنفيات، في مشهد عبثي يثير الغضب والسخرية في آنٍ واحد.

منبع العيون… جفاف متواصل

الكاف، التي طالما اشتهرت بعيونها الطبيعية: عين ميزاب، عين قصيبة، عين مناخ، عين الزاوية، عين سيدي منصور وغيرها، باتت اليوم عاجزة عن تزويد سكانها بأبسط الحقوق الأساسية: الماء الصالح للشراب.

ويُجمع المواطنون على أن شركة “الصوناد” فشلت في إدارة الأزمة، خاصة بعد غياب تواصل واضح أو خطط مدروسة تراعي العدالة في التوزيع وظروف المواطنين الاجتماعية والصحية، خاصة في الأعياد والمواسم الحارة.

غضب في الشارع… ومطالب بإصلاحات حقيقية

خرجت أصوات المحتجّين في وقفات سلمية ومداخلات إذاعية، مطالبة بحلول عاجلة وجذرية، تتجاوز المسكنات الوقتية. في مقدّمة المطالب تجديد شبكة المياه المهترئة والاعتماد على مصادر بديلة مثل تحلية المياه وإطلاق حملات توعية لترشيد الإستهلاك ومحاسبة المسؤولين عن هذا التقصير المزمن.

لكن ما زاد من حدّة الغضب هو غياب الشفافية. المواطن البسيط لا يفهم: كيف تتضاعف إيرادات المياه على المستوى الوطني، بينما تعيش ولايته العطش

فبحسب المرصد الوطني للفلاحة، بلغ إجمالي الإيرادات المائية خلال الموسم الحالي (من 1 سبتمبر 2024 إلى 3 جويلية 2025) حوالي 959.6 مليون متر مكعب، بزيادة تُقدّر بـ48.5% مقارنة بالموسم الفارط. ورغم هذه الزيادة، لا يزال العطش سيّد الموقف.

العطش… أزمة خدمات أم غياب إرادة؟

المشكلة لم تعد تقف عند حدود الخدمة، بل أصبحت مسألة عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فأبناء الكاف، وغيرهم من الجهات الداخلية، يطرحون أسئلة مشروعة.. لماذا هذا التفاوت بين الجهات في التزود بالماء؟ ولماذا تغيب الشفافية عن خطط التوزيع والانقطاعات؟ وأين حق المواطن الدستوري في الماء؟

متى تنتهي سياسة اللامبالاة؟

الماء ليس ترفًا، بل حق أصيل ومطلب أساسي للحياة. وإن استمر تجاهل هذه الأزمة، فالأمر لا يهدد فقط الراحة اليومية للمواطن، بل يضرب في عمق الثقة بين المواطن والدولة.حان الوقت لتحرك فعلي، لا بيانات مطمئنة ولا وعود مؤجلة.

أميرة الشارني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى