الرئيسيةثقافة

صائفة 2025: مهرجانات بالجملة… ومضمون بلا بصمة

مع حلول فصل الصيف، تعود المهرجانات الثقافية إلى الواجهة في تونس، حاملة معها فسحة من الترفيه لجمهور متعطّش للخروج من رتابة الحياة اليومية، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي أنهكته طيلة العام. غير أن هذه التظاهرات، رغم كثافتها وتنوّعها الظاهري، لا تزال تفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة، ما أفقدها بريقها وأفرغها من محتواها الفني والثقافي.

فقد تحوّلت أغلب المهرجانات إلى عروض تجارية بحتة، يطغى عليها منطق الربح على حساب الذوق والإبداع. ومع مرور كل دورة، تُكرّر نفس التجارب ونفس الأسماء، دون تقييم جدّي للأداء أو مراجعة لنقاط القصور. وفي كل صيف، نكتشف أنّه لا جديد يُذكر ولا بصمة تُخلّد، وكأنّنا أمام برنامج “قصّ ولصق” يُعاد بثّه كل عام.

أسماء مكرّرة… وإقصاء غير مبرّر

من أبرز المآخذ التي يوجّهها النقاد والجمهور على حدّ سواء، تكرار نفس الأسماء في كل موسم، سواء من الفنانين المحليين أو الأجانب، على غرار لطفي بوشناق، زياد غرسة، عرض “الزيارة”، وائل جسّار، وغيرهم. هذا التكرار خلق نوعًا من الرتابة والملل، وأقصى في المقابل العديد من المواهب الشابة، وحتى بعض الأسماء الرصينة ذات التجارب القيّمة في الساحة الفنية.

هذا النهج لا يعكس فقط ضعف في التنوّع الفني، بل يكشف أيضًا محدودية فكر القائمين على هذه التظاهرات، الذين غالبًا ما يتحجّجون بأنّ “الجمهور يريد ذلك”، في حين أن هذا الجمهور ذاته بات يطالب بالتجديد ويعبّر عن رفضه لهذا التكرار المستفز. والأسوأ من ذلك، أنّ البرمجة الفنية تُدار أحيانًا بمنطق العلاقات الشخصية والمصالح المشتركة، لا بمنطق الكفاءة والرؤية الثقافية.

مهرجانات جديدة… بأي جدوى؟

في هذا السياق، يطرح العديد من المتابعين تساؤلات جديّة حول الجدوى من إحداث مهرجانات جديدة، دون أن تُرافقها رؤية فنية واضحة أو إضافة نوعية. فعلى سبيل المثال، تنطلق نهاية جويلية الدورة الأولى من “المهرجان الدولي للفنون الشعبية” بأوذنة، والذي يُفترض أن يكون مهرجانًا دوليًا، غير أن غالبية المشاركين فيه تونسيون، باستثناء عرض للفنان المصري محمود الليثي وآخر لفرقة فلسطينية.

وفي أوت المقبل، ينتظم “المهرجان الدولي للراب” برباط المنستير، بمشاركة أسماء معروفة مثل بلطي، نوردو، كازو وعلاء… وهي أسماء تُؤثّث بالفعل عروض العديد من المهرجانات الأخرى، ما يجعل من تخصيص مهرجان جديد للراب دون جديد يُذكر، أمرًا لا يُضيف شيئًا للمشهد، بل يكرّس منطق الاستنساخ.

ما نحتاجه فعلاً: لا كمّ ولا بهرجة بل مضمون ومساواة

المطلوب اليوم ليس إطلاق مهرجانات جديدة في ولايات كبرى أو مدن معروفة، بل التوجّه إلى الأحياء الشعبية والمناطق المهمّشة، حيث يُختزل الفن في مقاطع “يوتيوب”، وتُدفن المواهب في صمت. لا بدّ من خلق مساحات حقيقية للتعبير، وفرص فعلية للشباب ليقدّموا رؤاهم ويعبّروا عن قضاياهم وتطلّعاتهم من خلال الفن.

ختامًا،تكمن المعضلة الحقيقيّة في المشهد الثقافي التونسي في إصرار القائمين عليه على تجاهل الأصوات المطالبة بالتغيير، ومواصلة الدوران في الحلقة المفرغة ذاتها: نفس التظاهرات، نفس الفنانين، ونفس شركات الإنتاج. وهو ما يستوجب اليوم وقفة مراجعة جريئة، وإرادة صادقة لضخّ دماء جديدة، والبحث عن رؤى أكثر انفتاحًا وإبداعًا.

فالجمهور التونسي لم يعد مغيّبًا عمّا يحصل. ومثلما عبّر في وقت سابق عن رفضه للخيارات السياسية والاقتصادية المتعثّرة، قد يثور يومًا من أجل استعادة هيبة الثقافة، ومكانتها كرافعة للتنوير والتغيير.

أميرة الشارني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى