تحليلات

الذكرى الـ 104 لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني: مسيرة قرن من التحولات الكبرى

يوافق الأول من جويلية 2025 الذكرى الـ104 لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني (CPC)، وهو حزب لعب دورًا محوريًا في تغيير مجرى التاريخ الصيني الحديث، وتحويل الصين من دولة فقيرة وضعيفة إلى قوة اقتصادية وعسكرية وعلمية ذات ثقل عالمي.

من الكفاح إلى النهوض

منذ لحظة التأسيس، لم يكن الطريق مفروشًا بالورود؛ فقد واجه الحزب تحديات جسيمة، من المجاعات والاضطرابات الاقتصادية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، إلى تحديات الإصلاح والانفتاح في السبعينيات والثمانينيات، وصولًا إلى التنافس الجيوسياسي الحاد في القرن الحادي والعشرين.

تأسس الحزب الشيوعي الصيني في عام 1921 في خضم اضطرابات سياسية، وتدخلات أجنبية، وحروب أهلية كانت تنهك الصين. ومنذ ذلك الحين، قاد الحزب الشيوعي الصيني مسيرة نضال شاقة شملت مقاومة الاحتلال الياباني، والانتصار في الحرب الأهلية، وتأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949.

معادلة التنمية الصينية: النمو مع الاستقرار

يتميز النموذج الصيني الذي يقوده الحزب الشيوعي بمزيج فريد بين الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وآليات السوق. فقد استطاعت الصين أن تحقق أكبر عملية انتقال من الفقر إلى الرفاه في التاريخ البشري، حيث نجحت في انتشال أكثر من 800 مليون شخص من الفقر خلال العقود الأربعة الماضية.

اليوم، تحتل الصين المرتبة الثانية عالميًا من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتتصدر مجالات الابتكار في التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، وصناعة الفضاء.

الاستمرارية والشرعية

يرتكز الحزب الشيوعي الصيني في شرعيته على تحقيق نتائج ملموسة للشعب، وليس على الانتخابات الدورية وفق النموذج الغربي. هذه الشرعية مبنية على مفهوم “الحوكمة الفعالة”، حيث يضع الحزب في مقدمة أولوياته تحسين معيشة المواطنين، ضمان الاستقرار، ومواصلة التنمية المستدامة.

شعار “عدم نسيان الرسالة الأصلية وخدمة الشعب” لا يزال محور السياسات الوطنية، وهو ما عزز من قدرة الحزب على الصمود أمام الأزمات، سواء كانت اقتصادية أو صحية كما حدث مع جائحة كوفيد-19، أو تحديات بيئية وتكنولوجية.

أفق المستقبل: نحو الصين الحديثة والقوية

مع دخول الحزب عامه الـ104، تبدو الرؤية أكثر وضوحًا في مسيرة بناء “الصين الحديثة القوية” بحلول منتصف القرن، بما يشمل تحقيق التحديث الكامل للصناعة والتكنولوجيا وتعزيز الاستقلال الاقتصادي والتكنولوجي وتحقيق أهداف الحياد الكربوني والتنمية المستدامة إضافة إلى الاستمرار في تعزيز دور الصين في الحوكمة العالمية.

الذكرى الـ104 لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني ليست مجرد مناسبة احتفالية، بل محطة لتأمل تجربة سياسية وتنموية نادرة في التاريخ المعاصر. هذه التجربة، رغم ما يحيط بها من جدل ونقاشات دولية، تبقى مثالًا على قدرة الشعوب على تجاوز التخلف والهيمنة، وصناعة نهضتها بإرادة سياسية صلبة ورؤية بعيدة المدى.

في هذا اليوم، تتجدد الأسئلة حول مستقبل الصين ودورها في تشكيل النظام العالمي، لكنها أيضًا لحظة لتقدير حجم التحولات التي قادها هذا الحزب منذ 1921 حتى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى