
لا تزال مؤسسة الزواج في تونس تُعامل باعتبارها “مقدّسة”، وكأنّها محطة لا بدّ أن يعبر منها كل شاب وشابة في طريقهم إلى “الاستقرار”. ومن لا يلتزم بهذه الخطوة، يُنعت في نظر المجتمع بالفاشل أو من “فاته القطار”. لكن هل الزواج ضرورة حياتية؟ وهل يستحق كل هذا التقديس؟
بين قداسة الزواج وحرية القرار
غالبًا ما ترتبط فكرة الزواج في الثقافة التونسية بموروث تقليدي يرى في الزواج استقرارًا للرجل و”سترًا” للمرأة، بل ويعتبره شرطًا للقبول الاجتماعي. وبمجرّد أن تبلغ الفتاة سنًا معينة، تبدأ الضغوطات العائلية والاجتماعية لحثّها على الزواج، كأنّه واجب لا يحتمل التأجيل.
هذه الأفكار البالية رسّخت مفهومًا يُلزم الطرفين – خاصة المرأة – بتحمّل الحياة الزوجية مهما كانت قاسية، تحت شعار “الصبر من أجل الأطفال”، حتى إن غابت عنها المودّة أو سادها العنف والفتور العاطفي.
في المقابل، أصبح جزء متزايد من الشباب أكثر وعيًا وجرأة على كسر هذه القيود. يختار كثيرون تأجيل الزواج أو حتى رفضه، مفضلين التركيز على الذات، والاستثمار في النجاح المهني والعلمي، وبناء علاقات قائمة على الاحترام والتكافؤ، لا الإملاءات الاجتماعية.
الزواج في تونس: بين الحلم والكلفة الباهظة
تشير تقديرات المنظّمة التونسية لإرشاد المستهلك إلى أنّ كلفة الزواج في تونس سنة 2025 قد تصل إلى 50 ألف دينار، تشمل تجهيز المنزل، حفل الزفاف، المصوغ، وغيرها من المصاريف. ورغم الأوضاع الاقتصادية المتأزّمة، وارتفاع نسب البطالة، لا يزال التونسيون يُقبلون على هذا المشروع المكلّف، غالبًا بدافع إرضاء العائلة والظهور الاجتماعي، مما يدفع الكثيرين إلى الاقتراض والاستدانة من أجل ساعات معدودة داخل قاعة أفراح.
أليس من الأجدر تنظيم حفل بسيط يقتصر على الأقرباء في مكان طبيعي هادئ؟ أو استثمار هذه الأموال في رحلة رومانسية، أو حتى في مشروع مشترك يُساهم في بناء مستقبل مستقر؟
العزوبية ليست وصمة
مصطلحات مثل “عانس”، “بايرة”، أو “فاتها القطار” لا تزال تُستخدم بشكل مؤذٍ ضد النساء اللواتي لم يتزوّجن. هي تصنيفات ظالمة تختزل المرأة في مؤسسة الزواج، وكأنّ قيمتها لا تُستمد إلا من الارتباط بشريك.
لكن الحقيقة مختلفة: كثيرات اخترن العزوبية طواعية، ليس لأنّهن فشلن في الزواج، بل لأنّهن وضعن أولويات أخرى في حياتهن، مثل الاستقلال المادي، النجاح المهني، والسفر واكتشاف الذات. هؤلاء النساء لسن “عوانس”، بل مستقلات، حرّات، وسعيدات باختياراتهن.
نحو وعي جديد
ما نحتاجه اليوم في تونس ليس مزيدًا من الضغط الاجتماعي للزواج، بل مزيدًا من الوعي بأهمية التأني في اختيار الشريك المناسب، والتخلّي عن السؤال المكرر “وقتاش نفرحو بيك؟”. فالزواج ليس غاية، بل خيار شخصي، لا يجب أن يخضع لأي إملاءات خارجية.
تزوجوا عن قناعة، عن حب، عن احترام متبادل. فالزواج لا يصنع السعادة، بل السعادة في العلاقة هي التي قد تؤدي – ربما – إلى زواج ناجح.
️ أميرة الشارني